عن كسم مصر

كسم مصر


سمعت ذلك التعبير لأول مرة في ٢٠٠٩ -كنت مازلت مغفلاً- في مباراة منتخب مصر في افتتاح كأس العالم للشباب في استاد برج العرب. كانا عسكريان أمن مركزي يسيران بجانبنا وكان الزحام شديد للغاية. قال أحدهما للآخر: "بقى كل ده عشان مصر؟ ياخي كسم مصر". دهشت من انعدام الوطنية لدى عسكري أمن مركزي!

في ٢٠١١ - ٢٠١٣، -عندما استفقت قليلاً وصرت مغفلاً من نوع آخر- عشت اليوفوريا الوطنية والثورية مع الكثير من الشباب. إن سمعنا أحدهم يهتف بـ "كسم مصر" في أحد المظاهرات، لكان لُقّن درساً في الوطنية أولاً، ثم هُتك عرضه ثانياً، أنا على يقين من ذلك.

نضجت كثيراً بعد الإنقلاب الديماجوجي في ٢٠١٣ -صرت مغفلاً من نوع ثالث- وأصبح تركيزي منصباً على هدف واحد أوحد وهو السفر -أو الهروب- في أسرع وقت. تغير مفهوم الوطن في وجداني. 

في ٢٠١٥، كنت مشتركاً في مجموعة على الفيسبوك عن كرة القدم. كل يوم، كان يدخل شاب ويبدأ منشور بعنوان "في تكسيم مصر"، ثم يتوالى الشباب في الرد بتعليق مقتضب فاقد للتنوع وهو "كسم مصر". فقط. يتكرر المنشور يوماً بعد يوم، لا يقل أحد أي شئ آخر، لا نضيف شيئاً أو نذكر أي تفسير. فقط تعليقات متتابعة تحتوي على ذات التعبير. بعض هؤلاء الشباب كانوا خارج مصر، الآخر داخلها. بعضهم كان متزوجاً والبعض أعزب. لدى بعضهم أطفال، والآخرون مكتفون بالطفل داخلهم. كانت أعمارهم متفاوتة، مستوى تعليمهم متباين، ومن مختلف الخلفيات المادية و الاجتماعية.  

وأما الآن، فقد أصبح تعبير "كسم مصر" دارجاً بالنسبة لي وبالنسبة لكثير من الناس. وكثيراً ما يأتي كخاتمة لأي نقاش يحتوي على شكوى أو تعجب أو تقزز من أحوال مصر. إن المعنى قاسي، ونقصده! لقد احتجت لسنوات من النضج والتجارب والتعلم لكي أعيد صياغة مفهوم الوطن والمجتمع بداخلي لكي أصل لتلك النتيجة. ولطالما تذكرت أن ببساطة فطرية، كان هناك عسكري أمن مركزي لم يسمع بكلمة بروليتاريا أو رأسمالية، لا يعلم عن طبقية نظام الدولة ولا يفهم ما هي الديمقراطية أو الثيوقراطية أو الفاشية أو السلطوية. إنه لا يفقه شيئاً من ذلك. ولكنه وصل لذات النتيجة من قبلي، وقالها صراحةً: كسم مصر!

يوليو 2017

Comments

Popular posts from this blog

Her, Herself, and I

The Life Tunnel

Ether – A Short Story