ألم الوجود


- أتمنى الموت .. لم أعد أطيق هذي الحياة .. كم قاسي هو الوجود وألمه .. لمَ أتحمل كل ذاك الوجع؟

(C) https://www.openhandweb.org/Enlightenment_and_the_Pain_of_Existence
- أي وجعُُ؟ أنت تعيش في بلد ثري متحضر، نجاحاتك العملية ووظيفتك يتمناها الملايين أو المليارات! .. لقد ربحت في اليانصيب الجيني و لديك قدرة عقلية يصعب احصائياً أن نقابل مثلها كل يوم .. أي وجع هذا يا جاحد النعم! .. لديك من الطعام ما يكفي اشتهائك، لديك سقفاً واسعاً ومسكناً مريحاً، يمكنك النوم بأمان دون قلق .. صحتك جيدة جداً .. لديك أصدقاء يحبونك .. عائلتك على قيد الحياة .. صديقتك مفتونة بك .. أغلبية من تقابلهم يحترمون رأيك وعقليتك .. مستقبلك مضمون ويحقد عليه الكثيرون ..ما بك؟ ما بالك تصدّر كل هذا الجحود؟ .. ماذا تريد؟ أجبني!

- لا أعلم .. لا أعلم .. أ كارثة هي ألا أعلم ما أريد؟ .. لا، انتظر، أنا أعلم .. أبتغي الموت

- سحقاً لك .. ما انت إلا جاحد!

- بل قل تباً للخالق!  فإن خلق الإنسان الرب، فسحقاً للإنسان. وإن خلق الرب الإنسان، فسحقاً لله ذاته.

- أوتعلم ما انت؟ أنت لست بجاحد فقط، أنت ملئ بالتناقضات .. تردد كل يوم أن الله ليس بموجوداً، ثم تحمله كل مشاكلك وأخطائك

- إن فكرة الله هي التي دمرتني

- حقاً؟

- لا .. لم أعد أدري أين تكمن المشكلة .. كنت أؤمن أن الإيمان هو من حفر فيَ تجويفاً فشلت أن أجد ما يملأه .. فبتّ أعلم الحقيقة .. إن الوجود هو التجويف .. إن الإنسان تكوّن وعيه ليحوي ذاك الفراغ الغير قابل للامتلاء .. يسعى المؤمنون عابثين ويملاؤنه بخرافاتهم الساذجة 

- أ تتمنى أنك لم تكف عن الإيمان؟

- أ تسألني إن كنت أفضّل الوهم المبهج؟

- ولمَ لا .. أ تتمنى أنك ظللت جاهلاً واهماً سعيداً بدلاً من عالماً بائساً؟

- ومن قال لك أنني كنت سعيداً؟ أنا لم أكن سعيداً! .. لطالما تمنيت الموت وإن تباينت الأسباب

- لماذا كنت تتمنى الموت آنذاك؟

- لم أعد أتذكر .. لا أظن أنني كنت مثالياً لاشتهاء الموت للافتراب من الله .. لطالما كنت عاشقاً للشهوات الجسدية متيماً بها وحالماً بها .. ولم أتلذذ بالعبادات أيضاً .. أنا لم أكن مثالياً .. اشتهيت الموت لأن الصراعات كانت قد أنهكتني .. أرهقت من الصراعات الداخلية .. عشت أيامي في مواجهات بداخلي .. عشت مواجهاً عقلي، مواجهاً حريتي، مواجهاً شهواتي .. عشت في صراع مع أفكاري، كنت أئد الأفكار في مهدها ولا أتركهها تصرخ صرخة الحياة

- أ تركت الإيمان لأنك سئمت الصراع؟ أو إنك تركت الإيمان مستسلماً لشهواتك إذن؟

- لا .. هذا عبث .. من أين لك بكل هذا العبث؟ أولسنا ذات الشخص؟

- بلى، أنا هو أنت

- إذاً لمَ تسألني هذا السؤال؟ أتطرح أسئلتك بالنيابة عن القارئ؟

- ربما

- فسحقاً للقارئ الساذج الذي قد يظن هذا .. أ تظن أن الإجابة في تلبية الشهوات؟

- لا

- أصبت .. ها أنا ذا .. ملبياً لشهواتي، مستمتعاً بحريتي

- أي حرية تلك؟ أ نسيت الكانطية؟

- معك حق .. أي حرية؟ إن الإنسان لم يختر أن يوجد .. لم يعطه أحد حرية اختيار وجوده .. إن الإنسان يشتهي الطعام، ولكنه لم يختر أن يشتهِ الطعام .. إن الإنسان يحتاج للنوم والراحة وتحقيق الذات والآخر والمجتمع والتقدير، وأبداً لم يختر أي من ذلك

- لم تجب عن سؤالي .. لمّ تبتغي الموت؟

- لأرتاح

- مماذا؟

- من التفكير .. من إجابة الأسئلة .. من الرد عليك .. أريد كل شئ أن يتوقف .. لا أريد أن أجوع أو أن أعطش أو أن أنعس ، سئمت الشعور بالبرد أو الحر .. مللت الشعور بالنجاح والأمل و الفشل واليأس .. لقد سئمت الاكتئاب وسئمت طعم الحياة الماسخ .. أي حياة تلك؟ ماذا نفعل الآن ؟ ماذا تفعل أيها القارئ؟ ماذا تفعل؟ .. لمّ تقرأ هذه الكلمات؟ عم تبحث؟ أ تبحث عن إجابة؟ لن تجد أي إجابات ههنا .. أو في أي مكان آخر .. كل الكتب تحتوي إما على المزيد من الأسئلة أو على إجابات خاطئة .. أ تريد الإجابة الصحيحة؟ .. إنها غير موجودة

- كيف تعرف هذا؟

- لقد تعلمت هذا .. أي إجابة سمعتها أو ستسمعها سيتبين لك خطأها عاجلاً أم آجلاً، إلا إن كنت ساذجاً .. هذه الحياة هي أضحوكة كبيرة .. أو لا .. هي ليست أضحوكة .. هي ليست أي شئ .. لا يوجد وصف لهذه الحياة .. فإن قلت أنها ماسخة، فذاك يتضمن أنها كان من المفترض أن يكون لها طعماً، طعماً لمن؟ لك؟ إنك لا أحد .. أنت ومن عرفتهم وستعرفهم سيموتون قريباً، وكل من يحمل جيناتك سيموت، إن البكتيريا ذاتها ستموت قبل 800 مليون عاماً من الآن .. وإن قلت أنها عبثية، فقولك هذا هو عبثي بدوره، فوصف الحياة بأنها عبثية يتضمن أنها فشلت في أن تحمل معنى، معنى لمن إذاً؟ لك؟ .. أ لاحظت النمط؟

- فما الحل؟

- أ غبيُ أنت .. لا يوجد حل 

- ما العمل؟

- إما الألم أو الانتحار

- وما فائدة الانتحار إذن؟

- لا شئ

- وما الضرر من الألم؟

- لا شئ 

- بمَ تنصحني؟

- تألم في صمت

Comments

Popular posts from this blog

Her, Herself, and I

The Life Tunnel

Ether – A Short Story