شيطان الوجود


عادت أفكار الانتحار تراودني مجدداً، ذاك الشعور السخيف المخيف، أ شعور هو؟ اعتادت طبيبتي النفسية على تكرار الفارق بين الأحاسيس وغيرها، احساسك بالبرد ليس شعور، ولكن الغضب شعور. اعتادت على سؤالي "ماذا شعرت؟ ماذا تشعر؟"، تباً لك يا امرأة، لا أعلم ! لا أعلم ماذا أشعر، لم أتعلم أن أشعر، لم نتربى على مشاركة مشاعرنا مع الآخرين.

تدربنا على سؤال الله عما نريده وعن اخفاء مشاعرنا الحقيقية ونظهرها فقط لله في الغرف المغلقة. سحقاً لله وللغرف المغلقة!

(c) Copied from Pinterest:
https://www.pinterest.com/pin/396457573418985684/
لقد كبرنا وتراكمت مشاعرنا التي لم نتحدث عنها وصارت تطاردنا أينما ذهبنا. سحقاً للمجتمع ولأفكاره الهادمة للسعادة، سعادة؟ أي سعادة تلك؟ إنها أفكار هادمة للحياة في أجرد صورها.

أتعلم شيئاً، تباً لتطور الإنسان وللوعي!

نعم إنه الوعي، هذا هو العدو الحقيقي أو العدو الأصلي. لم تكن الخطية الأولى أن اقتطفت امرأة عارية ثمرة من شجرة بعد أن أقنعتها حية متكلمة بذلك، كلا، هذا هراء لا يصدقه إلا المغفلون و البشر.

الخطية الأولى هي انحراف التطور الطبيعي وتكوين الوعي، إن الوعي هو الخطية الأولى: بلا وعي لاختفى الحزن، لاختفى القلق، لاختفى البؤس.

ستقولون ولكن أي معنى لحياة بلا وعي، أقول لكم وأي معنى لها مع الوعي؟ أنتم لا معنى لكم ولا لحياتكم ولا وعيكم، أتفرق إذن إن أصبحت فاقدة للوعي؟ نعم ستفرق، ستصبح فاقدة للبؤس، وستتفقد البحث عن المعنى والهدف.

سحقاً للهدف، لا أكره أحداً مثلما أكره الإيجابيين، عدا الطموحين ربما، الطموح يصيبني بالغثيان. نعم يا دكتور، يمكنني أن أصف لكي ما أشعر، أشعر بالكراهية، يمكنني أن أعدد ما أكره لجلسات و ساعات لا تُعد.

إني أكرهك، وأكره هذه الغرفة، وأكره إني أحتاجك، وأكره إني في حاجة لتعرية مشاعري أمامك، وأكره وجهك، وأكره أنوثتك الطاغية وملابسك الأنيقة، أنا أكره أمريكا وأكره الكرة الأرضية وأكره مصر، وأكره نفسي وأكره أنفاسي وأكره بقائي على قيد الحياة، وأكره عربيات الميكروباص المتهورة التي لم تصدمني عند عبوري الأتوستراد، إني أكره البشر وأكره الله وأكره الشيطان، أكره العقل والقلب والجسد، أكره احتياجي للطعام والشراب والأكسجين، أكره احتياجي للدفء واحتياجي للمأوى، أكره احتياجي للتبول والتبرز، أكره احتياجي للنوم وللراحة.

أكره رئتاي وقلبي النابض لأنهما يبقياني على قيد الحياة، أكره عيناي لأني أرى بهما وجهي في المرآة وأكره أذني لأني أسمع بهما صوتي المستفز.

لحظة! لا أكره أذناي لهذه الدرجة، فبهما أستمع للموسيقى؟ أ أحب الموسيقى إذن؟ إني اكره احتياجي لها، أكره احتياجي لأصوات بشر يصرخون في أذنيّ حتى أستطيع أن أوقف سلاسل أفكاري المزعجة.

إني أكره الحياة وأكره الموت!

إني أكره الوجود، نعم إنه الوجود، البشر كانوا في منتهى السذاجة حينما خلقوا الشيطان، أي شر هذا تريدونه أن يمثّل؟ الشر والخير كلاهما سواء، الشيطان الحقيقي هو الوجود.

ينعتون الله ببارئ الوجود تسبيحاً له بينما الوجود هو أخبث ما وُجِد!

Comments

Popular posts from this blog

Her, Herself, and I

Ether – A Short Story

The Death Wrap – A Short Story